قضيَّتانِ استحوذَتَا على اهتمامِي؛ لأنَّ الضَّحايَا أطفالٌ، تمَّ استدراجُهُم ثمَّ قتلُهُم، أو اغتصابُهُم وتصويرُهُم، وتحويلُهُم إلى «محتوى» يُباعُ إلى جهاتٍ خارجيَّةٍ -كما جاءَ في الأخبارِ-، لَا أعرفُ عنهُم شيئًا، ولَا أريدُ أنْ أعرفَ، المهمُّ، أنْ يعرفَ الآباءُ والأُمَّهاتُ مسؤوليَّتهُم تجاهَ صغارِهِم، وحمايتهُم من الوقوعِ ضحايَا الجشعِ، أو تحويلهُم إلى وحوشٍ آدميَّةٍ تستدرجُ المغفَّلِينَ والجشعِينَ، وتستغلُّ حاجتهُم؛ لارتكابِ أفظعِ الجرائمِ في حقِّ أطفالٍ أو شبابٍ صغارٍ، والقيامِ بأخطرِ خطوةٍ، وهِي استدراجُ الضَّحايَا في غفلةٍ من الأهلِ، أو زيادةِ ثقةٍ في المدرسةِ والشَّارعِ والمقهَى.
كذلكَ، الثِّقةُ المطلقةُ في الأبناءِ، وتركهُم أمامَ الأجهزةِ الإلكترونيَّةِ دونَ متابعةٍ، أو معرفةِ ماذَا يفعلُونَ؟ ومعَ مَن يتحدَّثُونَ؟ وماذَا ينشرُونَ؟! كلُّ هذهِ أسئلةٌ لابُدَّ أنْ تطرقَ رؤوسَ الآباءِ والأُمَّهاتِ كلَّ لحظةٍ؛ لأنَّ المجرمِينَ تسلَّلُوا داخلَ منازلِنَا، وغرفِ أبنائِنَا، لمْ يعدْ الخطرُ في الشَّارعِ فقطْ، بلْ داخلَ جهازِ ابنِكَ وابنتِكَ.
القضيَّةُ الأُولَى؛ عصابةُ اغتصابِ الأطفالِ في لبنانَ، المتورِّطُونَ فيهَا، أو المجرمُونَ عدَّةُ أشخاصٍ من جنسيَّاتٍ مختلفةٍ، منهُم الطَّبيبُ، ومُصفِّفُ الشَّعرِ، وسائقُ تاكسِي، ومصوِّرٌ، وامرأةٌ واحدةٌ مهمَّتهَا استدراجُ الأطفالِ والمراهقِينَ إلى الفنادقِ والشاليهاتِ لاغتصابِهِم، وإجبارِهِم على تناولِ المخدَّراتِ، وتصويرِهِم لابتزازِهِم، وبيعِ المشاهدِ لجهاتٍ أجنبيَّةٍ تدفعُ مبالغَ طائلةً لنشرِهَا، وحصدِ ملايِين المتابعاتِ من خلالِهَا، كذلكَ يتمُّ استخدامُ المراهقِينَ لترويجِ المخدَّراتِ.. العصابةُ تعملُ منذُ 6 سنواتٍ حتَّى تمَّ الكشفُ عنهَا وتوقيفُ عددٍ من أفرادِهَا.
أمَّا القضيَّةُ الثَّانيةُ؛ فالمجرمُ الرئيسُ طفلٌ، والضَّحيَّةُ طفلٌ، والوسيطُ ومَن نفَّذَ تعليماتِ المجرمِ «الطِّفل»، شابٌّ باعَ كليتَهُ من أجلِ المالِ، فالحصولُ على الأموالِ دافعٌ لقيامهِ بجريمةٍ مروِّعةٍ في حقِّ طفلٍ يلهُو حولَ المقهَى الذِي يعملُ فيهِ، فكانَ استدراجُهُ سهلًا؛ بحجَّةِ أنَّه أحضرَ للطِّفلِ الذِي يبلغُ الخامسة عشرة هديَّةً في منزلِ الأوَّلِ، بعدَ أنْ جهَّزَ كلَّ مَا طلبَهُ منهُ الطِّفلُ الآخرُ، الذِي يعيشُ في بلدٍ آخرَ ويتواصلُ معهُ أون لاين، وأغراهُ بحصولهِ على خمسةِ ملايين جنيهٍ مصريٍّ إذَا حصلَ على أعضاءِ الطِّفلِ بمواصفاتٍ تنطبقُ على الضَّحيَّةِ.
بعد تنويمهِ بمنوِّمٍ، ثمَّ مخدِّرٍ، بدأتْ عمليَّةُ تصويرِ الضَّحيَّةِ وهُو يُذبحُ من الرَّقبةِ إلى الصَّدرِ، ومِن الذِّراعِ، والآخرُ يعيشُ في دولةٍ أُخْرَى يصوِّرُ المشاهدَ، ثمَّ تُركَ الطِّفلُ غارقًا في دمائِهِ، وانتهتْ حفلةُ التَّصويرِ الدَّمويِّ.
الطِّفلُ، الطَّالبُ المتفوِّقُ، الذِي يعيشُ في دولةٍ خليجيَّةٍ وفِي بحبوحةٍ من العيشِ، شديدُ الذَّكاءِ، ويرغبُ في دراسةِ الطِّبِ قسمِ التَّشريحِ تحديدًا، لمْ يلفتْ انتباهَ أبويهِ، رغمَ أنَّه يستخدمُ هاتفَ والدِهِ، ويحمِّلُ عليهِ المشاهدَ، كمَا أنَّ لهَ ضحايَا أُخْرَى بالطريقةِ نفسِهِا، حيثُ إنَّه لَا يقومُ بالجريمةِ بيديهِ، بلْ عَن طريقِ استدراجِ آخرِينَ، ويقدِّمُ لهُم كافَّةَ التَّعليماتِ واحتياجِهِم من الموادِّ المختلفةِ لتنفيذِ الجريمةِ، فقطْ ليقومَ بتصويرِ مشاهدِ الذَّبحِ والتَّقطيعِ، وبيعِ المَشَاهدِ.
الأبُ والطِّفلُ والشَّابُ كلُّهم تمَّ القبضُ عليهِم، لكنْ هلْ انتهت القضيَّةُ لنطمئِنَ؟! لَا لمْ تنتهِ! لأنَّ كشفَ مثل هذه القضايا جرس إنذار للتنبيه على أن التقنية كما سهلت أموراً كثيرة في حياتنا، هي أيضاً سهلت على المجرمين تنفيذ جرائمهم، باستغلال غفلتنا وانشغالنا بالمشاهدة، وتبادل المقاطع والمشاهد على كل وسائل التواصل.
أطفال ذهبوا ضحايا استغلال جنسي، لم يرأف المغتصبون بآلامهم، بل سخروا منهم، وآخرون يُخدَّرون ويُذبحون بوحشيَّة من أجل المشاهد التي نتبادلها، وتحصد أعلى المشاهدات، وتُدر الملايين على المجرمين. متى نفيق من غفلتنا؟
نحنُ جزءٌ من هذَا العالِمِ، يمكنُنَا إحداث أثرٍ، كمَا أحدثنَا بنهضتنَا المبهرةَ، وبثقافتنَا وبتراثنَا الذِي لفتَ أنظارَ العالِم إلى وطننَا، يمكننَا أنْ نكونَ أكثرَ حذرًا في تداولِ المقاطعِ والصُّورِ والفيديوهاتِ، وأقلَّ هدرًا للوقتِ الذِي ننفقهُ في متابعةِ كلِّ مَا يصلُ أجهزتِنَا المحمولةِ، ولكنَّ الأهمَّ متابعةُ الأبناءِ في كلِّ الأعمارِ.